بين التعايش والتلاحم والطائفية السياسية
ما بين التعايش والتلاحم فرق كبير، نتغنى في لبنان بالتعايش، نطالب فيه، لكن دون ان نعرف معناه، لان ذلك تحول الى مجرد شعار بات معروفا وقد يكون مطلوبا كعدة انتخابية او غيرها، ولكن لم يتعود اللبناني بعد على التلاحم، مع العلم انه قد يكون مطلب الاغلبية الصامتة في لبنان، فما الفرق بينهما.
التعايش يعني قيام مجموعات بشرية مختلفة في النواحي الاثنية او الدينية او العرقية بالعيش معا على رقعة جغرافية تحت مظلة نظام سياسي، مع احتفاظ كل مجموعة بهويتها وتقاليدها وقيمها وانماط عيشها وعاداتها واعرافها الخاصة. لكن هذا المعنى قد يوصل الى احتمالين:
الاول: الوفاق بين هذه المجموعات
الثاني: الصدام بينهما
اما المجتمع المتلاحم فهو حالة انصهار بين مجموعات تميل الى التعددية الدينية او الاثنية مما يؤدي الى وحدة تسفر عن ظهور امة واحدة وهوية واحدة جامعة، بعدها تتخلى كل مجموعة عن خصائصها، وعندها ينشأ في هذا المجتمع نظام سياسي مركزي مهيمن.
نعيش في لبنان حالة التعايش لا التلاحم، لكن تعايش منقوص حيث غياب العدالة والمساواة والديمقراطية الحقيقية، ففي كل مرحلة تهيمن مجموعة على اخرى وتفرض رأيها بغض النظر عن صوابيته او لا، وهذا ما يعني اننا نعيش يوما في وفاق وايام وايام في صدام.
هذا الوفاق والصدام ليس بحديث او جديد على لبنان اذ ان حالة التعايش الطائفي في لبنان قائمة منذ منتصف القرن التاسع عشر وهي ثابتة تتراوح مكانها لها مدلولاتها التي لا تتغير ومنها: النظام الطائفي/ السياسي، حالة اللااندماج في المجتمع، تأثير الخارج على الطوائف، ........
اختلف الباحثون في تسمية حالة النظام الطائفي/السياسي في لبنان بين المقايضة او المحاصصة او المساكنة الطائفية او ... لكنهم اتفقوا على انه ليس بنظام سياسي صحي، وانه طالما استمر هذا النظام فان لبنان سيبقى كما هو يوم الى الامام وايام وايام الى الوراء. سيبقى ساحة صراع تتنافس فيها الدول بغطاء الطوائف الدينية ومذاهبها المختلفة التي اصبحت شبكة نفوذ لتلك الدول بدل ان تكون قاعدة عريضة للاستفادة الايجابية من تلك الدول.
اكثر ما نحتاجه اليوم هو تحرير الوطن من مشنقة الطائفية والمذهبية وترسيخ مبدأ الانتماء الوطني دون ان نمس بحرية العقيدة والايمان والدين.
ان بناء اي دولة متحدثة او تتجه في طور الحداثة يبنى على اساس المواطنية الصحيحة المبنية على الحقوق والواجبات لا على اساس ملوك الطوائف او بمعنى اصح زعماء الطوائف الذين الغوا مصطلح المواطنية الصالحة والحكم الرشيد ووضعوا مكانها التبعية العمياء والحكم الطائفي وما ادراك ما الفرق بينهما، دولة مدنية حديثة او مزارع.
ان التجارب وتسلسل الاحداث خلال تاريخ لبنان اثبت - بما لا يدع للشك بمكان - ان النظام الطائفي يبقي الدولة معرضة دائما لحالة اللااستقرار، كما يعمل ويساهم في تعزيز ثقافة الفساد في كل مستوياته بدءا بالادارية وصولا الى الاقتصادية مرورا بكل المجالات، على قاعدة ان الجبنة يجب ان تنقسم على امراء الطوائف.
ان ثقافة اللااستقرار بدل ثقافة السلام الداخلي، ثقافة الفساد بدل ثقافة الشفافية والمساءلة، ثقافة المزارع بدل الوطن، ثقافة الاستزلام بدل المواطنية، ثقافة الحكم الفاسد بدل الحاكمية الصالحة هي باختصار ثقافة النظام الطائفي.
لقد نص اتفاق الطائف على تشكيل هيئة عليا لالغاء الطائفية السياسية، ولكن بعد 22 سنة لا شيئ تغير، وهذا ليس بسبب قصور او تقصير من القيمين على الدولة بفعل تمثيلهم الحقيقي للشعب بل عمل مقصود من المسؤولين على الدولة باسم الطوائف والطائفية التي جعلت المواطن يعتمد على الخدمات التي تقدمها له المؤسسات الطائفية اكثر من اعتماده على الخدمات التي توفرها له مؤسسات الدولة وهذا ما يجعل انتماء المواطن لطائفته اكثر من انتمائه لدولته.
المسؤول الاعلامي احمد شلحة
حتى لا يفقد الشباب الامل
تأمل
"حتى لا يفقد الشباب الامل"
بقلم: احمد شلحة
"الشعب يريد اسقاط النظام"
هو شعار الثورات المستجدة بشكل غير معتاد في عالمنا العربي، وان كانت محقة، ولكن اين نحن في لبنان من هذا الشعار؟
نعم تحرك الشارع الصغير (بالشكل لا بالمضمون)، مقارنة بالشوارع الكبيرة وقال كلمته: "الشعب يريد اسقاط النظام..." ولكن باضافة كلمة في آخره وهي "الطائفي" ليصبح الشعار "الشعب يريد اسقاط النظام الطائفي".
استخدم الشارع الصغير ارادة التغيير ولكن بمنطق حينا وبخيال احيانا اخرى، بمنطق لانه _اي مطلب تغيير النظام الطائفي_ مطلب حق وقد يكون افضل من المطالبة بتغيير النظام فقط كما هو حال الدول الاخرى وبخيال في باقي الاحيان الاخرى كونه مغامرة لن يسمح زعماء الطوائف بحدوثها وهم ربما الاقوى، فهل يرضى الشارع او ترضى الشوارع الاخرى او بمعنى اصح امراءها، على اسقاط نظام ناضلوا لاجله كثيرا ودفعوا او دُفع ثمنه اكثر، فصنعه وحول معه المجتمع الى مجتمع طائفي تماشى ولا يزال مع النظام الطائفي.
الواقعية ظهرت في تحرك الشباب حين اضيفت كلمة "طائفية"، والخيالية عامت على بحر إضافة كلمة الطائفية، هذا ليس بلغز بل هو حقيقة لبنان، فالكل، اي كل اطياف المجتمع الطائفي بامتياز اشادت بتظاهرة الشباب ضد الطائفية والكل غنى وتغنى بها لدرجة انننا احسسنا "اي الكل" بان التظاهرة ستحشد مليون ونصف المليون (كما ادعوا) من ساحة رياض الصلح ومليون ونصف المليون (كما ادعوا) من ساحة الشهداء ليلتقي عدد سكان لبنان (اي الكل) خلف هذا الشعار، ولكن الواقع واقع والخيال خيال وبحر الطائفية متلاطم الامواج .
في لحظة ما، وفي كل لحظة تقريبا يعود الشعب الى جذوره المتأصلة طائفيا، فيعيد التفكير وينسى او يتناسى المشاركة بمظاهرة "الشعب يريد اسقاط النظام الطائفي".
ما ذكرته يؤكد بما لا يدع للشك مكان، اننا في الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب عندما انطلقنا بفكرة الاكاديميات لم ننطلق من فراغ ولم يكن عملنا عبثيا بل كان مبنيا على خطة ورؤية آملين ومحاولين ان تكون كل اكاديمية شمعة تضيئ بحرا من الظلام، وعلها في كل مرة كما في كل اكاديمية تضاء الى جانب الشمعة الاولى شمعة وشمعة وشمعة اخرى من الدراسات او من غيرها من مؤسسات المجتمع المدني اللاطائفي.
هي الاكاديمية باهدافها المنطلقة من نبذ العنف والتعصب الطائفي والمذهبي وكل اشكال التعصب الاخرى عائلية كانت ام شخصانية، فكانت برامجها ونشاطاتها تؤكد القول بالفعل، حتى لا يفقد المواطن الشاب الامل بالتغيير. ويكون الامل في غد افضل من خلال الحلم ولو المؤجل للسير في طريق التغيير والثورة المبنية على المواطنية لا الطائفية، على التآخي لا الفتنة، على التشارك لا التمذهب.
الى ذلك سنبقى نمارس دورنا التوجيهي والتعليمي للمفاهيم الاساسية في بناء الشباب ومنهم وعبرهم في بناء جيل المستقبل الواعد بأمل التغيير الحقيقي، بعيدا عن المصالح الخاصة، لنصل الى لبناننا كما يجب ان يكون لا كما يريده البعض ان يبقى، ان نكون مواطنين ننتمي الى وطن لا ان نكون جماعات متبعثرة متناثرة متناحرة تنتمي الى مزارع الطائفية، خصوصا وان الثورات الاخيرة ابقت الامل قائما لدى اللبنانين لا سيما الشباب، وعاد الحلم الضائع منذ زمن الى مخيلة الشباب الطامح الى تغيير النظام الطائفي.